الاثنين، 21 نوفمبر 2016

غباء الناس





   
يرهقنا غباء الناس

و أحلامٌ تطير فوق سحاب خيبتهم
    
سرابٌ نحن إن عشنا

   سطوراً تحت متنٍ من كتابتهمْ

   ضِياعٌ نحن إن سرنا إلى غدنا

   على دربِ الكآبة في خرائطهمْ

   عُراةً من إرادتنا

   حفاةً من عزيمتنا

   تولى اليأسُ طالِعَنا

    و كان البأسُ موعدَنا

    إذا هُنّا و أذعنا

    لغايتهمْ

    جحيمُ مراميَ الأسمى

    لخيرٌ من جنائنهمْ

    بنوها في ظلال الأمسْ

    إذ وهنت سواعدهم

   عن الإتيان بالفردوسْ

   فكيف أذوق ذات الكأسْ

   و أحصد ذات لوعتهم

   أأقتل حلوَ أحلامي

   لكي ترضى حماقتهم !!

الأحد، 30 أكتوبر 2016

سواد في حلب

                                            

سواد، مشاعر لا تفسر لأن صاحبها لم يملك أبجدية النطق بعد، مقلوباً  على وجهه، بجذع انحنى للأسفل قسراً  فبات الرأس مقلوباُ، كالعالق  في العدم، لكنه عالق في الركام الآن، مصدومٌ ربما، وربما عاجزٌ عن فهم اللحظة ليصدم بها، الأصوات تأتيه من أعلى، لكن الضغط على أذنيه يشوهها فلا تصله إلا معجونةً متداخلة، تلك العجينة يألفها الطفل حين يغطس في بركة السباحة، فتأتيه ضحكاتُ  أقرانه ممزوجة بهتافاتهم المرحة، لكنها تأتيه هنا تكبيراتٍ وصرخاتِ استغاثة ونقاشاً محموماً لأنسب نقطة يبدؤون نبش الأنقاض منها لإخراج من حالفهم .. أو قل ربما لفظهم الحظ من أمثاله، يمتد الانتظار .. ويداه الصغيرتان  تقطران دماً بانتظام بعدما كان فيّاضاً، ورغم أنه يفتح عينيه على اتساعهما فهو يحس بما تقطرانه ولا يبصره .. فالظلام دامس حيث هو ولا أثر للنور، على أن الدمع استعصى على عينيه حتى الآن ..


يقترب الصوت أكثر فأكثر، أصبح الآن أكثر وضوحاً، وتمتد اليدُ أخيراً تستله من تحت الركام، منهية غطسته العميقة، وها هو يأخذ النفس، وينسكب شعاع النور فجأة على عينيه بعد انتشاله، أغمض عينيه لكنهما عادتا تحملقان  في كل تلك الوجوه، تبصرانها من بين أصابعه الحمراء، وقطرات الدم تنساب متمايلة على سواعده، تحاكي تقلبات جسده متنقلاً بين أيديهم، لم يعلم حتى الآن أن شق وجهه الأيمن أحمرُ أيضاً، كان يرى كل تلك الوجوه التي تتلقفه بغبارها، تماماً كشق وجهه الأيسر وشعره وجل جسده المغبر، تحمله أمواج الأيدي إلى أفق الصورة، ليخرج من اطارها، يرفع الطفل رأسه ويلتفت للخلف وعيناه تتسعان الآن بشكل أكبر، تحملان خوفاً ورعباً يُعجٍزان الحروف، لكن الحيرة فيهما طغت على سواها، لقد أوشكت عيناه أن تنطقا بسؤالهما وهما تبحثان بين كل تلك الجموع، أين أمي؟


يخرج الطفل من الإطار وتعود الكاميرا لتصور انتشال جثة طفلة صغيرة لم تتجاوز العاشرة، غلفها الغبار لدرجة أخفت معالم جروحها، واجتاح شعرها وكأنه شيب يروي ويلات ما رأت...، تنهي المذيعة خبر قصف الحي السكني في حلب وتنتقل إلى خبر آخر، عشرات الجثث تنقل بالشاحنات فسيارات الإسعاف لا تكفي لنقلها، وتنساب المشاهد، جثث تلقى فوق بعضها في تلك الشاحنة الصغيرة، لا معالم واضحة، الدم هو الشيء الوحيد الواضح في الصورة، وهو العامل المشترك بين كل تلك الجثث ...


يا الله! يا رب الكون! ما هذا الجحيم! ما كل هذا! ، لم تستطع ان تكمل الأخبار، أغلقت عينيها وسال الدمع، مسحته مسرعةً، نهضت وذهبت لغرفتها، جلست على سريرها  تبكي وأختها تسائلها : " لمَ البكاءْ، هل أنبتكِ أمي؟  سمعتُ صراخها " 


كانت الأم فعلا تؤنب ابنتها الكبرى على إحدى هفواتها المعتادة، لكن الابنة لم تكن تسمع لكل ما يقال حولها في تلك اللحظات أبداً، فما شاهدته غَيَّب وعيها عن سواه، زلزل كيانها، هؤلاء يموتون، أخبارهم وأرواحهم وآلامهم وحكاياتهم تختزل بكلمات وأعداد سريعة، اللعنة على هذا العالم، بات الحديث عن الموت وتقديمه ببساطة تقديم النشرة الجوية _ خاطبت نفسها _ ذاك الطفل مر ولم يُعلم مصيره، تلك الصغيرة حُمِلت ولم نعلم اسمها، أؤلئك الرجال وضعوا كالطوب وكأنهم لم يكونوا بشراً، يجب أن يعيش أحدهم اللحظات الأولى لانتشال ذلك الطفل، ويعلم كيف شعر قبل انتشاله، يجب أن ننظر بخشوع أكبر لتلك الصغيرة، وأن نبصر بقلوبنا هول تلك المذبحة ومأساة هؤلاء الرجال!


أطفأت الفتاةُ نور غرفتها  وفتحت حاسوبها، و مضت بالكتابة منكمشةً على نفسها تخاطبها "يجب أن أفُصِّل ما رأيت "... و تأخذ نفساً عميقاً، تمسح دمعةً سالت مرة أخرى، و تطلق زفرةً وتتمتم "هذه رسالتي الليلة!".

24/9/2016

#من_الواقع .