الجمعة، 5 يناير 2018

من أمجاد الشهداء في الدراما ، إلى مأساة الأحياء في الواقع .. نستحضر العيّاش يحيى !

في ذكرى استشهاده وربما في كثيرٍ من المرات التي أتذكره أو يأتي ذكره أمامي فيها، يمر في مخيلتي جزءٌ مما شاهدته في مسلسل "عياش" قبل حوالي 11 أو 12 عشرة عاماً، و لا أبالغ إن قلت إن المسلسل ترك أثراً عميقاَ في نفسي فعياش رمزٌ رسخ في أذهان الفلسطينيين بطبيعة الحال، فكيف إن قُدِّم جزءٌ من حياته في عمل دراميِ متلفز!

جسد الممثل السوري " سامر المصري " ومن عمل معه في مسلسل  عياش" دور  يحيى عياش و حياته،  وترسخت نجومية  "المصري" بذهن طفلةٍ لم تتجاوز 9 سنوات _ وهي أنا _ قبل أن يسطع نجمه لاحقاً في دور " عقيد باب الحارة " وغيره من الأدوار، المسلسل الذي بلغت حلقاته 15 حلقة وأخرجه السوري فلسطيني الأصل باسل الخطيب، شدني رغم الإمكانيات البسيطة المتاحة للعمل الدرامي آنذاك، وكنت أنتظر _ بدافع ذاتي  _ حلقاته بشوقٍ كلَّ يوم بعد أن شاهدت الحلقة الأولى منه بمعرض الصدفة، صحيحٌ أن ذكر عيّاش وأبطال المقاومة كان مبعث رهبة واحترام ٍ في نفسي تبعاً لقيم التقدير التي يزرعها آباؤنا وأجدادنا لهم فينا، لكن تألق عياش ورفاقه زاد في نظري مع كل حلقة، خصوصاً حينما أعيدَ تمثيل استشهاد رفيقيه "بشار العامودي" و"علي عاصي" في اشتباك مسلح أثناء تغطية انسحابه من إحدى الكمائن.



عشت مع المسلسل معاناة أهالي المقاومين بكاء أمه  وأرق زوجته وهمّ والده ومحاولات الاحتلال قهرهم مقابل إصرارهم وفخرهم بابنهم ومساندة مقاومته ، تابعت تفاصيل الإعداد المتقن لعملياتهم وردود الفعل بعد تنفيذها، لحظات الذروة في مطاردة الاحتلال له ،ولحظات حنينه لأهله و حنينهم له و أوقات لقائهم الشحيحة، رأيت يحيى الإنسان والمقاوم عن كثب بانفعالاته وردود أفعاله، ببسمته وحزنه وغضبه، عايشت حكايته مقرونةً بحكايات أخرى لأبناء شعبه، ورغم أني كنتُ أعرف أنَّ عياش استشهد وأعلم الطريقة التي اغتيل بها، إلا أني لا أخفي الفاجعة التي شعرت بها في الحلقة الأخيرة بل وعشت حسرة الفقد وقهر الخيانة خصوصاً وأن المسلسل تضمن مشاهد حقيقية توثيقية لجنازته، بكيت يومها .. كيف لا وأنا أرى أمامي خسارةً عظيمةً تُستَحضَرُ ولو تمثيلاً، وضاعف حزني اكتشافي أنه استشهد في ذات العام الذي ولدت فيه، ربما يكون ذلك التفكير مضحكاً أو غريباً لكن ذلك أثر بي فعلاً وامتد بعدها لفترة !

أُخرج العمل بكلماته وألوانه عاكساً الواقع القاتم بضبابيته فكان الضباب جزءاً من مشاهده وكانت الألحان والموسيقى التصويرية متناغمةً معها، حتى أني ما زلت لليوم أعود لسماع كلمات تتر البداية التي كتبها الشاعر يوسف الخطيب _والد المخرج _إهداءً للعمل لأنها تحكي الفلسطيني لحناً وكلمة .

أذكر هذا العمل اليوم لأنه مقترنٌ بذكرى استشهاد رمزٍ شكّل حالةَ مقاومة مجمعٍ على أثرها وفعاليتها ، ولأنني أؤمن بفعالية الفن الحقيقي، وأهمية الأعمال الدرامية التي تعالج القضية الفلسطينية، وقد شكلت الأعمال السورية الأغلبية الساحقة منها، فهي        _على قلّتها_ ناطقة بالقضية الفلسطينية نوعاً ما، فأبو صالح في " التغريبة "، و والدا خلدون في " عائد إلى حيفا "، و يوسف ريحان  أبو جندل"و "الشيخ محمود طوالبة" و "أبو حلوة" و "الشيخ بدير" في "الاجتياح" ، وغيرها من الشخصيات والأعمال جسدت جزءاً من ألم الفلسطينيين وبعثت آهاتهم صورةً للعالم العربي .
ورغم ثقل هذه الأعمال، إلا أنها لم تسلم من الانتقاد الذي كان في محله أحياناً سواءً من ناحية تقنية، أو من ناحية المضمون والمحتوى ابتداءً من السيناريو وليس انتهاءً بالأداء،  ولعل أبرز هذه الانتقادات اللاذعة وأحقها هي الموجهة من أهالي الشهداء والشخصيات المجسدة فيها لصنّاع هذه الدراما لعدم دقتها ومطابقتها للواقع ، ولعدم التواصل معهم مسبقاً للتثبت من تفاصيل الأحداث والشخصيات _ومنها انتقاد زوجة الشهيد عيّاش نفسه للمسلسل لعدم دقة بعض الأحداث وإهمال كثيرٍ من تفاصيل معاناته في التنقل _ وهي انتقاداتٌ مهمة، ولا شكَّ أن أهيمتها تنبع من قدرة هذه المسلسلات على الوصول لشريحة ضخمة وترسيخ معلومات  وصورٍ عجزت عنها نشرات الأخبار و الصحف والكتب،  ولا يخفى على المتابع للدراما وتحديداً السورية منها تدهور المستوى والمعايير المتبعة في تنفيذها بفعل تدهور الواقع السوري، ما انعكس سلباً على إنتاج أعمال تعرض الواقع الفلسطيني أو تتطرق إليه .

في المحصلة لن تصل هذه الأعمال لمرحلة الكمال، لكنها لمستني وأثرت بي وهذا ما دفعني للكتابة عنها بعد أن تمكنت وأستطيع القول تفردت بإحياء هذه الشخصيات، و أقول الحق أني أشتاق لعملٍ دراميٍ عن فلسطين، لكن تخيلوا معي كيف ستكون طبيعة هذا العمل؟!  المسلسلات السابقة جسدت وأرخت ذروة الأزمات من نكبة أو نكسة  وفترات الصدام  والاشتباك المباشر مع الاحتلال، فما الذي سيؤرخه مسلسل يتناول أحداث الثلاث عشرة سنةٍ الماضية مثلاً؟، ربما سيؤرخ أحداث الانقسام و مصائبه، مآسي غزة وحروبها وخذلانها بلا توقف،  إضراب الأسرى المر، هبة القدس بشيبها  وشبانها وحرائرها وأحرارها ،  سيؤرخ قدوم مختلٍ أصفر أتى بسياسة أشد صفرة فتحت للصهاينة باب النعيم على مصراعيه وأبواب الجحيم على  كل ما هو فلسطيني، فمنح الصهاينة القدس عاصمةً وأطبق أفواه الأعراب صمتاً... عن استمرار الاستمرار للمفاوضات الواقفة على حافة الموت تحصي المسامير تُدَقُ في نعشها حتى بات النعش فولاذياً فاغراً فاه ليبتلع القضية الفلسطينية برمتها، عن تخاذل المسؤولين والقادة وخذلان العرب والسادة!  

ماذا عن الشخصيات ؟؟ تخيلوا سلسلة الشهداء والأسرى .. ستتطول وتتطول القائمة سماءً ممتدة بنجومها، تخيلوا فقط لو أعيد مشهد باسل الأعرج ليلة اشتباكه في قلب رام الله وحيداً! ربما سيختزل المشهد حالنا، يااااه كم سيكون عملاً مثقلاً بالجراح ومشبعاً بالحسرة ...، تخيلوا لو عاد عيّاش أو أحد هؤلاء الشهداء وعاشوا واقعنا اليوم، لعل الشهادة أرحم، بل هي كذلك ... طوبى لعيّاش ورفاقه.

رابط الحلقة الأولى 

https://www.youtube.com/watch?v=nMa8zmD1Tpk 


تعليق أرملة الشهيد على المسلسل : 
https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2005/05/02/20990.html








صورة لمن جسد شخصية يحيى عيّاش متنكراً بزيِّ مستوطن






صورة للشهيد يحيى عياش مع ابنه البراء  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق